تتجلى في سورة الفاتحة روائع البيان وجواهر المعاني، فهي كالدرة المتلألئة في تاج القرآن الكريم. افتتح بها الله كتابه العزيز لتكون مفتاحاً لكنوزه ومقدمة لما يليها من آيات وسور. وقد جمعت هذه السورة العظيمة في آياتها السبع خلاصة الدين وأصول العقيدة وجوهر العبادة.
تفتتح السورة بالحمد لله، وما أروع هذا الافتتاح! فهو يجمع بين الثناء والشكر في كلمة واحدة، ويؤسس لعلاقة العبد بربه على أساس من المحبة والتعظيم. ثم يأتي وصف الله بـ"رب العالمين" ليرسم صورة شاملة لعظمة الخالق وسعة رحمته.
نلحظ في السورة تكرار صفة الرحمة في "الرحمن الرحيم"، وهذا التكرار ليس مجرد تأكيد لغوي، بل هو تأسيس لمعنى عميق يبين سعة رحمة الله وشمولها. فالرحمن تدل على الرحمة الشاملة لكل الخلق، والرحيم تشير إلى الرحمة الخاصة بالمؤمنين.
تنتقل السورة بسلاسة بين معانٍ عظيمة: من الثناء إلى العبادة في "إياك نعبد"، ثم إلى الاستعانة في "وإياك نستعين"، وأخيراً إلى الدعاء في "اهدنا الصراط المستقيم". هذا الانتقال البديع يرسم مسار العلاقة بين العبد وربه في لوحة بيانية رائعة.
تختتم السورة بتصوير دقيق لثلاث فئات من البشر: المنعم عليهم، والمغضوب عليهم، والضالين. وفي هذا الختام بلاغة عالية تجمع بين الترغيب والترهيب، وترسم للإنسان طريق النجاة بأسلوب موجز بليغ.